اخبار كل الصحف

تمكين المدن: التصميم والتخطيط الحضري في مواجهة الأزمات


صحيفة كل الصحف – راشد العثمان

نظّم منتدى أسبار الدولي يوم الأربعاء 22 أبريل 2020م، ندوة عن بعد (webinar) بعنوان: “تمكين المدن.. التصميم والتخطيط الحضري في مواجهة الأزمات”، بمشاركة أربعة من الخبراء والمختصين.
وسلّطت الندوة الضوء على المشاكل التي برزت الآن في فترة كورونا فيما يخص السكن العام والخاص، وهل المنزل مصمم بشكل يتناسب مع الاحتياجات السكنية، إضافة إلى مشاكل إسكان العمال في المشاريع الكبرى، وتخطيط المدن ورفاهية العيش.
وفي بداية الندوة، قال أ. د. مشاري بن عبد الله النعيم، أستاذ تاريخ ونظريات ونقد العمارة بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل، إن تأثير فيروس كورونا على المسكن والمدينة ليس تأثيرا مباشرا، نظرا لارتباط الموضوع بردة فعل الإنسان ومدى تعلمه من هذه الأزمة، لأن المدينة بشكل عام لا تكون مدينة إلا بوجود هذا الإنسان، وما سيقوم به بعد أن مر بتجربة كورونا التي أجبرته على البقاء جالسا في مسكنه أسابيع وشهورا ليحمي نفسه من الإصابة، فشاهد المدينة خالية، واكتشف أن المسكن ليس مكانا للنوم فقط.
وأوضح أن أحد الدروس التي يمكن أن نتعلمها من “كورونا” هو كيف نتعامل مع المدينة بشكل أكثر إنسانية، مؤكدا أن المدينة هي الإنسان نفسه، وأن الأمكنة تتشكل وتتكيف مع تكيف الإنسان، لافتا إلى أننا إذا أردنا أن نطور المدينة فيجب علينا أن نطور من يسكنها المدينة، فالعمران مهما كان ليس له قيمة حقيقية إلا بوجود الإنسان، فما جدوى أن نصنع أمكنة لا يرتادها أحد، وما قيمة المدن وجمالياتها إذا كان الإنسان الذي يسكنها غير موجود، ويبدو أن الحالة التي تعيشها كل المدن اليوم تبين أن المكان إذا خلا من البشر يصبح موحشا ومرعبا، مهما كان جميلا وجذابا.
ودعا النعيم إلى ضرورة أنسنة المسكن على غرار أنسنة المدن وخاصة السكن السعودي، لاسيما أن غالبية المساكن مصممة بشكل يهدف إلى توفير فراغات واستخدامات، أثبتت التجربة عدم أهميتها وبعدها عن العامل الإنساني وأهمية توفير بيئة آمنة وإنسانية لنعيش فيها، مؤكدا أن بناء المدينة الإنسانية أكبر من بناء المكان لافتا إلى أن “كورونا” ربما يكون أحد الأسباب في تطور ذائقة الأسرة السعودية في المستقبل، ليس فقط في تصميم مساكنها بل في التعامل مع الحياة بشكل عام، والتفكير في المسكن كمكان لحياة الأسرة وبناء العلاقات بين أفرادها بشكل خاص.
أما د. علي العزاوي، مستشار تجربة المدينة الذكية دبي الذكية، أستاذ مساعد بجامعة دبي فقال إن حكومة دبي وضعت رؤية لتحقيق “المدينة السعيدة” وكيف يمكن أن تكون السعادة هي الركيزة الأساسية للمدينة الذكية، وهذا يمكن أن يتحقق عندما تطوع المدن من أجل صالح الإنسان، موضحا أنه لن تكون التقنية نافعة إن لم يتم توظيفها من أجل البشر، فالهدف من جميع التقنيات هو خدمة الإنسان وفق اهتمامات “دبي الذكية”.
وأضاف أننا وبعيدا عن التعريفات المتباينة للسعادة، فالمهمة هنا بكل بساطة هي كيف نجعل الناس سعداء، مبينا أن النهج الذي نتبعه في “دبي الذكية” هو العمل على معرفة وتلبية ما يحتاجه الناس. موضحا أن إحدى الاحتياجات الأساسية للسكان في المدن هي التمكن من التنقل داخل المدينة وقضاء الاحتياجات اليومية، والتنزه، ومقابلة الناس بطريقة ملائمة وأكثر إنسانية.
وقال العزاوي إننا نقوم في “دبي الذكية” بإيجاد التقنيات القادرة على إحداث تأثير كبير على تلبية احتياجات الإنسان بشكل متفرد ومبتكر، موضحا أن التقنيات التي تتميز بالسهولة والوصول للجميع تجعل الناس أكثر سعادة، مبينا أنه عندما جاءت أزمة كوفيد-19، كانت البنية التحتية الرقمية جاهزة لأن العمل على بنائها بدأ منذ سنوات طويلة، بحكم الرؤية الواضحة التي تمتلكها القيادة، وما قمنا به في هذه الأزمة هو تنفيذ وتطبيق المزيد من التقنيات المتوفرة والجاهزة.
وأشار إلى أن الضواحي السكنية ليست هي الحل لمشاكل الإسكان والأزمات، فهي ستعيد إنتاج المشاكل، وسنرى المزيد والمزيد من التحديات موضحا أنه ربما لدينا مشكلة في الوقت الراهن في ظل أزمة كوفيد، لكن الحل يكمن في إيجاد الحلول وليس الهروب منها، فالإنسان قادر على الابتكار، وسيجد دائما حلولا جديدة ومبتكرة.
وأوضح العزاوي أن المشاكل الثقافية تجعل مشاكل الإسكان أكثر تعقيداً، لكن لا يعني هذا أن الثقافة لا تتغير، بل هي في تغير مستمر، ومن الأمثلة على ذلك التحول وبصورة مفاجئة للعمل عن بعد في دول مثل دول الشرق الأوسط التي لم نعتد فيها على هذا النوع من العمل قبل الأزمة. مبينا أن هناك تغييرات سريعة في الأنظمة والتشريعات والعادات حدثت بين ليلة وضحاها، وهذه التغيرات تحتضن قوى التغيير الكبيرة الخارجية كهذه الأزمة.
فيما أكد م. علي محمد الشهري، الرئيس التنفيذي شركة المزيني العقارية على أهمية التطوير العقاري، سواء كأسلوب حياة أو مجال ترفيه أو حياة سعيدة، لافتا إلى أنه لو لم يكن المطور العقاري موجودا الآن في ظل أزمة كورونا لما وجد الإنسان مكانا للسكن والحياة والترفيه والنوم، ولم يكن وصل إلى هذه المرحلة من التطور العمراني التي تشهدها المساكن هذه الأيام.
وأوضح أن هناك عددا من العوامل التي تجعل المطور العقاري يبني المسكن بطريقة معينة قد لا يقبلها بعض الأشخاص ومن تلك العوامل اللمسة التخطيطية والرسومات، فإن كانت جيدة ظهر المسكن جيدا لافتا إلى أن المطور العقاري ينفذ ما يصله من المخططات من المهندسين والاستشاريين كما هي على أرض الواقع ثم يسلمها للمواطن، ومن العوامل الأخرى الاشتراطات والضوابط التي تحددها الجهات المختصة كالارتدادات والطرق وارتفاعات المباني وغيرها، مؤكدا أن المطور العقاري ليس وحده المسؤول عن الإبداع العقاري.
ولفت الشهري إلى أن أزمة كوفيد-19″جعلت الناس تفضل السكن في شقة صغيرة في الضواحي السكنية أكثر من السكن في بيت كبير في الأحياء السكنية المزدحمة، مشيرا إلى أنه في ظل تأثيرات مخاطر فيروس كورونا على قطاع العقارات، سيكون على المطورين مواكبتها في المستقبل والاستفادة من تطوير إجراءات احترازية ووقائية مؤكدا على أهمية المبادرات مثل تعديل البيئات الداخلية وتحسين التهوية ودرجة الحرارة والرطوبة، بما لها من تأثير إيجابي ضد الفيروسات، بجانب تعزيز إجراءات التباعد الاجتماعي.
من جهته أوضح م. وائل ملا، مشرف على مراكز الابداع البلدي، استشاري إدارة مشاريع بوزارة الشؤون البلدية والقروية، أن الوزارة قامت من خلال الأمانات والبلديات بأعمال كثيرة مثل تعقيم الشوارع والمرافق، وتنظيم أعمال النشاطات التجارية والصحية، والتعامل مع عدد هائل من بلاغات السكان على مخالفي الأنظمة والتعليمات، والتعامل مع هذه المخالفات بما يقتضي النظام.
وأضاف أن الابتكارات تمكن المدن من مواجهة التحديات والأزمات، مبينا أن تطبيقات التوصيل تعتبر من الأمثلة على هذه الابتكارات التي ساهمت في تخفيف أزمة كورونا، على الرغم من محاربتها في البداية من قبل الكثير من الجهات الحكومية منها البلديات ووزارة النقل، والمطاعم والمتاجر نفسها، لكننا بعد الأزمة أدركنا قيمتها الحقيقية.
وقال إننا أصبحنا بحاجة لوجود معمل ابتكار مناسب في كل مدينة يعنى بالابتكارات والابتكار الاجتماعي يساهم في تخفيف آثار الأزمات، ومن الممكن أن تقوم الجامعة أو البلدية وهيئة التطوير بتشغيل هذه المراكز، بحيث يستطيع المعمل فهم التحديات التي تواجهها المدينة، واستشراف الأزمات التي يمكن أن تحدث في المستقبل.
وأشار ملا إلى أن معامل الابتكار الاجتماعي تساهم في تنشيط خيال وإبداع السكان، وبث الإيجابية والتفاؤل وبعث الرضا والاطمئنان لدى السكان تجاه مدينتهم، مبينا أنه من خلال هذه المعامل يساهم التجار والمطورون العقاريون ورواد الأعمال في اقتناص الفرص، بحيث يتحملون بعض الأعباء عن الجهات الحكومية، على أن تنتهج مثل هذه المعامل الابتكار التشاركي المتمثل في مساهمة فئات المجتمع المدني في وضع حلول مختلفة من خلال ورش عمل منظمة.
يذكر أن الندوة شارك فيها كل د. علي العزاوي، مستشار تجربة المدينة الذكية دبي الذكية، أستاذ مساعد بجامعة دبي، وم. علي محمد الشهري، الرئيس التنفيذي شركة المزيني العقارية، وم. وائل ملا، المشرف على مراكز الابداع البلدي، استشاري ادارة مشاريع بوزارة الشؤون البلدية والقروية وأ. د. مشاري بن عبد الله النعيم، أستاذ تاريخ ونظريات ونقد العمارة بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل، فيما أدارها د. سعيد العمودي، دكتوراه في المدن الإبداعية، أستاذ مساعد بقسم الإعلام بالجامعة الإسلامية.
ويأتي تنظيم تلك الندوة الافتراضية في إطار اضطلاع منتدى أسبار الدولي بدوره في مناقشة وتغطية مواضيع وقضايا الفكر والسياسة والثقافة والمجتمع، وإيجاد حلول مبتكرة لها، فضلا عن مواكبة آخر وأحدث المستجدات المحلية والخليجية والعربية والعالمية ومنها تفشي فيروس كورونا المستجد الذي يواصل الانتشار والتمدد عالميا بسرعةٍ لافتة، حيث إنه لحق بأكثر من 200 دولة حول العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى