اخبار كل الصحفاهم الاخبار

قصة كفاح بالفيديو.. “راكان” مات سريريًّا فقارع المستحيل محققًا حلمه الدراسي على “عكازَيْن”


تصوير: فايز الزيادي

مَن يقرأ قصة “راكان البجاد” يشعر بأن الكفاح لا حدود له، بل إن الطموح يزداد كلما زادت التحديات، وقصص النجاح تكتب بماء الذهب.. تلك المقدمة عنوانها 13 عامًا من حياة هذا الشاب الذي (مات سريريًّا) بعد حادث متهور، جعله فاقدًا الذاكرة 9 أشهر، لكن كتب الله له عمرًا جديدًا وقصة إصرار وكفاح، ألبسته تاج التفوق بحصوله أخيرًا على شهادة “الماجستير” مع مرتبة الشرف من الولايات المتحدة.

حياة “راكان” الذي يبلغ “30 عامًا” يرويها لـ”سبق” صوتًا وصورة، وقد استعان بوالده ليساعده في نقل بعض ذكريات مرحلة “فقد الذاكرة” 9 أشهر، ورحلته مع “الموت السريري”، وقضاء 3 أعوام من عمره لا يعرف غير “المرضى والأطباء” أصدقاء له. وقد قال والده أثناء لقاء (الصحيفة): “الحمد لله الذي كتب لابني حياة جديدة، ومستقبلاً نفتخر به، وبما صنع من قصة كفاح مشرفة، ونسأل الله أن يكتب له مستقبلاً وظيفيًّا مميزًا، يخدم به دينه ثم وطنه”.
وعن قصة كفاحه قال الطموح “راكان”: بدأت قصتي بعد تخرجي من المرحلة الثانوية، وشغفي بالقبول في إحدى الكليات العسكرية اقتداء بوالدي. وكذلك حلم “الابتعاث” لإكمال دراستي بإحدى الدول المتقدمة. وبالفعل، تحقق لي حلم القبول في إحدى الكليات العسكرية إلا أن الفرحة لم تدم طويلاً؛ وذلك بعد أن تعرضت لحادث سير من شاب متهور، قطع إشارة مرورية؛ ما تسبب في نقلي للمستشفى في حالة حرجة متأثرا بكسور وإصابات عدة في مناطق (الصدر، والحوض، والرقبة، والورك، والرأس، والرئتين والقلب والكبد).

وأكمل “البجاد” حديثه: أكملت 9 أشهر من الحياة تحت أجهزة صناعية بالعناية المركزة في حالة سيئة للغاية، ولا بوادر تحسُّن تُذكر. وأثناء ذلك تعرضت لتوقُّف القلب عن النبض مدة 4 دقائق، حسب رواية الأطباء. ومع استمرار محاولات الإنعاش الرئوي بدأت استجيب للعلاج – بفضل الله وحده – إلا أنني استيقظت فاقدًا الذاكرة، ولم أستطع التعرف على أهلي. وبعد عملية جراحية بالرأس عدت تدريجيًّا للحياة غير أنني لم أعلم عن الحادث ولا تفاصيله حينها.

وصعق “البجاد” حينما علم بأنه مقعد، ولا يستطيع الحركة بعد فترة فَقْد الذاكرة والحياة أشهرًا طويلة على سرير المرض.

وأضاف: قرر والدي نقلي إلى مدينة الأمير سلطان الإنسانية لإعادة التأهيل الطبي، وكانت حالتي الصحية أشبه ما تكون بشلل نصفي؛ فقرر الطبيب خضوعي لخطة علاجية لمدة عام ونصف العام. وبالفعل تمكنت بعد فترة صعبة ومحاولات فاشلة من تحريك أطرافي، والمشي بـ(عكازين). حينها قرر الطبيب السماح لي بالخروج للمنزل لممارسة حياتي الطبيعية، وعودتي لهم للجلسات العلاجية المجدولة.

وتحدث “البجاد” عن شرارة إيقاظ حلمه عندما قال له والده باللهجة العامية: “يا ولدي، اختار، يا تجلس في البيت وتقول عندي إعاقة وتكون هذه حياتك مستسلم.. أو تقول أنا إنسان طبيعي وما فيني شيء وراح أرجع أبني مستقبلي من جديد”. فكان هذا الكلام بمنزلة شرارة أيقظت حلمًا في داخلي. وبالفعل، تقدمت للدراسة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وتم قبولي في عام 2008م.

وعن حياته الجامعية الجديدة قال: شعرت برهبة شديدة عندما دخلت مباني الجامعة، ولاسيما من زملائي الطلاب وهم ينظرون لي وأنا أكبرهم سنًّا وأسير بـ(عكازين)، وأعاني أثناء التنقلات بين ممرات الجامعة، إضافة لكوني كنت أشكو من مشاكل في السمع؛ الأمر الذي استدعى لجوئي لاستخدام السماعات الطبية التي أسهمت – ولله الحمد – في تحسُّن ذلك.

وأضاف: بفضل الله، ثم بتشجيع أسرتي، استطعت إتمام دراسة مرحلة “البكالوريوس” في تخصص “التمويل والاستثمار”، وكانت لحظات التخرج لا توصف، بل كانت بمنزلة فتيل بدأ يشتعل في داخلي نحو السير على خطى الطموح؛ فكنت أحلم بالوظيفة والابتعاث لإكمال دراستي العليا، وكان موقفي صعبًا للغاية بعدما أتيحت لي فرصة القبول وظيفيًّا في (هيئة الاستثمار)، وفي الوقت نفسه تم ترشيحي من قِبل جمعية الإعاقة السمعية التي كنت عضوًا فيها عن طريق برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي. وبعد تفكير عميق قررت القبول بالعمل مع أمل شغف مواصلة الحلم الدراسي.

وتابع “البجاد”: بعد 9 أشهر من العمل بهيئة الاستثمار، رغم البيئة العملية الجميلة، لا يزال هاجس الابتعاث ينبض في داخلي. وبعد تفكير واستخارة قررت أن أعلن ذلك لوالدي الذي كان غير متقبل الأمر في بدايته خوفًا على صحتي، ولأني لا أزال بحاجة لمزيد من الرعاية الصحية، ولا أجيد اللغة الإنجليزية، إلا أن إصراري على التحدي دفعه لقبول ذلك، وإعلان دعمه المعنوي لي، وسط شعوري بأنني أستطيع التغلب على إعاقتي، وكسب رهان المغامرة والطموح.

ودَّع “بجاد” الأهل والأصحاب لبلاد الغربة بقوله: بدأت تعلم اللغة رغم الصعوبات هناك نظرًا لكوني أواجه مشاكل في السمع، وأسير بعكازين في مبانٍ متفرقة من الحرم الجامعي. وبفضل الله استطعت تجاوزها، وتم قبولي لدراسة الماجستير في جامعة “جاكسونفيل” بـ”ولاية فلوريدا” الأمريكية في تخصص “المحاسبة والمالية”. وبدأت أرى أن الحلم بات قريبًا بعد إجادتي اللغة، وتجاوزي الفصل الدراسي الأول بتميز رغم صعوبته – ولله الحمد – إلا أن هذا الطموح اصطدم بعقبة شعوري بألم في أحد المفاصل، وبمراجعتي الطبيب أفاد بأنني أحتاج لتدخل جراحي عاجل.

وأردف: كنت قلقًا على مستقبلي الذي سيتوقف، وكيف أخبر أهلي بذلك، إلا أن الوقفة الصادقة للأصدقاء دفعتني لإجراء العملية الجراحية التي تكللت بالنجاح – ولله الحمد – والتقدم بطلب تأجيل الدراسة، والذهاب للسعودية في إجازة استمرت فصلاً دراسيًّا، سيكون بمنزلة الاسترخاء بعد مشقة الغربة والدراسة.

وختم قصته بالقول: عدت بعد الشفاء إلى بلاد الغربة شغوفًا ومتسلحًا بالإصرار على التفوق لا غير ذلك. وبالفعل، تحقق لي مرادي بعد عامين من الجد والاجتهاد؛ لأشعر أخيرًا بلذة الإنجاز والنجاح، وذلك بحصولي على درجة “الماجستير” في “المحاسبة والمالية” بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، ولله الحمد على ذلك. وها أنا أنتظر الفرصة الوظيفية المناسبة خدمة ديني ثم وطني بكل فخر واعتزاز.

المصدر: سبق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى