الشيخ د. مصطفى سيريتش في خطبته: الإله الذي يصنعه الإنسان، والإله الذي هو حقًّا

الحمدُ لله ربِّ العالمين، القريبِ من الإنسان أقربَ من حبلِ الوريد، والمتعالي فوق كلِّ تصورٍ بشري. نحمده ونستعينه وإليه نرجع. والصلاةُ والسلامُ على الرسول، رحمةِ الله للعالمين، الذي لم يعلّمنا كيف نحبس الله في الكلمات، بل كيف نفتح له القلوب.
أيها الإخوة والأخوات،
أودّ اليوم أن أتوقف عند جملة قصيرة لكنها بالغةُ العمق، جملةٍ تخترق الإيمان والكفر معًا:
«غيرُ المؤمن لا يؤمن إلا بالإله الذي صنعه بنفسه.»
غير المؤمن و«إلهه»
حين يقول إنسان: «أنا لا أؤمن»، نفترض غالبًا أنه أغلق باب الحق. لكننا نادرًا ما نسأل أنفسنا:
في أيِّ إلهٍ لا يؤمن تحديدًا؟
كثيرون لا يرفضون الإله الذي يخلق ويغفر ويهدي،
بل يرفضون صورةً مشوّهةً لإلهٍ:
• قاسٍ،
• ظالم،
• بارد،
• بعيد،
• إلهٍ لا ينتظر إلا العقاب،
• إلهٍ يشبه غضب البشر أكثر مما يشبه رحمة الله.
مثلُ هذا الإله لم ينزل من السماء،
بل صُنِع في عقول البشر.
وعندما يقول أحدهم: «لا أؤمن بهذا»،
فهو لا يفرّ من الحق،
بل يفرّ من صنم.
الأصنام لم تختفِ… بل تغيّر شكلها
لا تظنّوا أن الأصنام تنتمي إلى الماضي فقط.
اليوم لم تعد تُنحَت من حجر، بل تُشكَّل من:
• الخوف،
• الصدمات،
• سوء نماذج المتديّنين،
• العنف المُبرَّر باسم الدين،
• النفاق المتزيّن بلباس التقوى.
وعندما يرى الإنسان الإيمان من خلال هذه العدسات، يقول:
«إن كان هذا هو الله، فلا شأن لي به».
لكن، يا إخوتي وأخواتي،
هذا ليس رفضًا لله،
بل رفضٌ لكذبةٍ قيلت عن الله.
حدّ الخطبة الحادّ يتجه نحونا
والآن، أيها الإخوة والأخوات، فلنوجّه المرآة إلى أنفسنا.
فالسؤال ليس فقط:
لماذا لا يؤمن الناس؟
بل أيضًا:
ماذا نُظهِر نحن حين نقول إننا نؤمن؟
إذا كان حديثنا عن الله يولِّد الخوف بلا رجاء،
وإذا كانت تديُّناتنا تُنبت الكِبر،
وإذا خلت عبادتنا من الرحمة،
وإذا كانت «استقامتنا» تُهين الآخرين—
فالناس لا يرون الله،
بل يرون أهواءنا وقد ارتدت اسمه.
وبهذا، من حيث لا نشعر، نُسهم في صناعة إلهٍ سيُرفَض بحق.
هناك أيضًا «صنم المؤمن»
لا ننسَ أن الإنسان قد يصلّي ويصوم ويتلو،
ومع ذلك يعبد إلهًا صاغه على مقاسه.
إلهًا:
• يؤكد له دائمًا صحة آرائه،
• ويقف دائمًا ضد من لا يحب،
• ويمنحه شعور التفوق بدل التواضع.
مثل هذا الإله لا يغيّر القلوب،
بل يُغلقها.
أما الإله الحق، أيها الإخوة والأخوات،
فلا يحوّل الإنسان إلى قاضٍ على الناس،
بل إلى شاهدٍ على الحق.
الإيمان الحقيقي يبدأ بهدم الآلهة الزائفة
لهذا، قد تكون الخطوة الأولى نحو الله
هي تحطيم الصورة الكاذبة عنه.
فالله ليس:
• إسقاطًا لمخاوفنا،
• ولا امتدادًا لغضبنا،
• ولا أداةً للسيطرة على الآخرين.
الله هو:
• رحمةٌ تُوقظ،
• وعدلٌ يَشفي،
• وحقٌّ يُحرّر.
لا ينحصر في تعريفاتنا،
لكنه يجد متّسعًا في القلب الصادق.
الرسالة الختامية
لذلك، أيها الإخوة والأخوات،
حين تلتقون بمن يقول إنه لا يؤمن،
لا تسألوه فورًا: لماذا لا تؤمن؟
بل اسألوه: بأيِّ إلهٍ لا تؤمن؟
وإن كنتَ مؤمنًا،
فاسأل نفسك:
هل تكشف حياتك عن إلهٍ يجذب الناس، أم عن «إله» ينفّرهم؟
فالناس لا يهربون من الله،
بل يهربون مما قُدِّم لهم على أنه الله.
(صمت)
الدعاء
ربّنا،
طهّر قلوبنا من الصور الزائفة عنك.
واحفظنا من عبادتك كفكرة،
وأكرمنا بمعرفتك حقًّا.
واجعلنا نورًا لغيرنا لا عائقًا في طريقهم،
واجعل إيماننا جسرًا لا جدارًا.
آمين.




