دلة الملك والحواج وعاهد

صحيفة كل الصحف – راشد العثمان
في أحد أركان الذاكرة الخليجية، حيث للأشياء روح، وللتراث حكايات لا تُشترى، نروي من خلال “صحيفة كل الصحف الإلكترونية” قصة دلة قهوة لم تكن كسائر الدلال، بل كانت شاهدة على زمن المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – حيث كانت هناك دلة قهوة تعود إليه وانتقلت إلى حيازة رجلٍ عُرف بالأمانة وحفظ الأثر، وهو عبدالمحسن بن علي الحواج، من أهل قطر الشقيقة.

وهو صاحب محلٍ لبيع الحوائج في دولة قطر، واشتهر بين الناس باسم الحواج.
ولم تكن الدلة معروضة للبيع، بل كانت محفوظة عنده كرمز تاريخي، ووضعها في إحدى زوايا المحل بعناية، كقطعة أثرية نادرة، وكأنها قطعة من الزمن تُسلّم على من يمرّ بها.
وكان من بين رواد ذلك المحل رجل شغوف بالتراث الخليجي، هو عاهد بن علي الباكر، كلما زار عبدالمحسن الحواج، وقعت عينه على تلك الدلة، فيسأل عنها ويطلب شراءها، مدركًا قيمتها التاريخية والرمزية.
وكان رد الحواج ثابتًا لا يتغير: لا، هذه ليست للبيع.
تكرر الطلب، وتكرر الرفض، وبقيت الدلة في مكانها، شاهدة على وفاء رجلٍ لقيمة الأثر، لا لقيمته المادية.
وقبل وفاة عبدالمحسن الحواج – رحمه الله وأسكنه فسيح جناته – بوقتٍ قصير، زاره عاهد بن علي في محله كعادته، لكنه هذه المرة لم يجد الدلة في مكانها المعتاد.
سأله باستغراب: لماذا لا أرى الدلة؟ هل بعتها؟ وكنت أتمنى أن تكون من نصيبي؟!.
عندها ابتسم عبدالمحسن الحواج، ودخل إلى ركن خفي بمحل الحوائج، ثم عاد يحمل لفافة قديمة، فتحها برفق، فإذا بالدلة بين يديه.
ناولها لعاهد قائلاً بهدوءٍ يليق بالموقف: بل كنت محتفظًا بها لك ياعاهد وهي هدية مني لك “عطيه ما وراها جزيه”.
حاول عاهد بإلحاح أن يحدد لها سعرًا، رافضًا أن يأخذها دون مقابل، لكن عبدالمحسن الحواج أبى، وقال كلمته الأخيرة: لا أريد بيعها… فهي لا تُقدّر بثمن».
أخذها عاهد بن علي، لا كقطعة تراث فحسب، بل كأمانة ومسؤولية، واحتفظ بها، وقال قولته التي ختمت الحكاية:
«لن أبيعها مهما عُرض عليّ من سعر».
وهكذا، بقيت الدلة… لا تُشترى ولا تُباع، بل تُورَّث قيمًا، وتحكي سيرة رجالٍ عرفوا أن التاريخ لا يُقاس بالمال، بل بالوفاء.



