مختبرات ذكية تعيد ابتكار العلم

أريزونا الولايات المتحدة: نسيم رمضان
يقف المختبر التقليدي على أعتاب تحوّل قد يضاهي اختراع المجهر أو ولادة الإنترنت. هذا ما تفيد به وجهة نظر جديدة نُشرت في مجلة «ساينس روبوتيكس»، مؤكدة أن شبكة عالمية من المختبرات المستقلة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي ستعيد تشكيل طريقة إنجاز الاكتشافات العلمية، مسرّعة وتيرتها وموفّرة وصولاً أوسع للباحثين حول العالم.
المقال الذي حمل عنوان «تسريع الاكتشاف في مختبرات العلوم الطبيعية عبر الذكاء الاصطناعي والروبوتات: آفاق وتحديات»، جمع خبراء من جامعات ومراكز أبحاث في ثلاث قارات، بينها جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي (MBZUAI)، وجامعة ليفربول والجامعة التقنية في ميونيخ (TUM) وجامعة تورونتو. ويرسم هؤلاء العلماء ملامح «المختبر ذاتي القيادة»، حيث يضع الذكاء الاصطناعي خطط التجارب، وتنفذها الروبوتات، ثم تحلل الخوارزميات النتائج فوراً لتقترح الخطوة التالية.
يقول سامي حدادين، نائب الرئيس للأبحاث وأستاذ الروبوتات في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي: «نحن نعيد تخيّل العملية العلمية». ويرى أن العلماء والأنظمة المؤتمتة سيعملون جنباً إلى جنب، ليمتزج حدس البشر مع دقة الآلات. فبدلاً من أشهر من التكرار أو سنوات من التجارب الكيميائية، يمكن أن تختصر المختبرات ذات الحلقة المغلقة زمن الاكتشاف إلى أسابيع.
ويضيف دينيس كنوبه، الباحث في «الجامعة التقنية» في ميونيخ وأحد مؤلفي الورقة، أن سر النجاح يكمن في التعاون، وأنه «من خلال تبادل الأفكار بين خبراء الروبوتات والكيمياء وعلوم الحياة، نستطيع تصميم مساعدين أذكياء يعملون حقاً إلى جانب الباحثين، يتكيفون مع البروتوكولات الجديدة ويسرّعون الاكتشاف مع الحفاظ على الأمان وإتاحة هذه التقنيات للمختبرات في كل مكان».
يطرح المؤلفون خطة لبناء مختبرات الجيل القادم تقوم على أنظمة مرنة ووحدات روبوتية مرتبطة بتخطيط مدعوم بالذكاء الاصطناعي. وتستخدم هذه المختبرات نماذج رقمية «توأماً رقمياً» لتحسين الدقة والكفاءة، إلى جانب معايير محايدة للبائعين تضمن تواصل الأجهزة المختلفة بسلاسة. والأهم، يشدد الخبراء على ضرورة أن تبقى هذه المختبرات متمحورة حول الإنسان، وأن «الهدف من الأتمتة هو تعزيز الإبداع العلمي لا استبداله».
لكن تحقيق هذه الرؤية يتطلب أكثر من هندسة متقدمة. فالذكاء الاصطناعي العلمي يعتمد على بيانات عالية الجودة، وقابلة للعثور والاستخدام والمشاركة، بينما تعاني مختبرات كثيرة نقصاً في المعايير والبرمجيات القابلة للتشغيل المتبادل. لذلك؛ يدعو المؤلفون إلى منصات مشتركة، وتبني معايير دولية مثل «SiLA» وإنشاء تحالفات عالمية لتبادل الموارد. كما يتصورون نموذج «العلم كخدمة» الذي يتيح للباحثين في أي مكان تنفيذ تجارب متقدمة عبر مختبرات روبوتية متصلة بالسحابة.
بعض هذه الأفكار أصبح واقعاً بالفعل. فاليوم تنفذ الأنظمة المؤتمتة مهام دقيقة، مثل عمليات النقل المجهري في زراعة الخلايا أو تحسين عمليات صناعية معقدة مثل الطلاء بالرش. ويقول حدادين: «تُظهر هذه الأمثلة كيف يمكن للأتمتة أن تتعامل مع المهام المعقدة والروتينية معاً، محرّرة العلماء من الأعمال المملة ليركزوا على الاكتشاف».
يتطلع الباحثون إلى شبكة عالمية من المختبرات المستقلة المتصلة سحابياً، لا تكتفي بإجراء التجارب، بل تولّد فرضيات جديدة وتختبرها ذاتياً. وستعمل هذه الأنظمة على تحسين النماذج العلمية لحظة بلحظة، جامعـةً بين إبداع البشر وكفاءة الآلات. وإذا نجحت هذه الرؤية، فقد تتيح لطالب في جامعة صغيرة تصميم تجارب تُنفَّذ في منشأة عالمية على مسافة آلاف الكيلومترات، كما قد تُسرّع إيجاد حلول لأكبر تحديات البشرية من الطاقة النظيفة إلى الأدوية الجديدة.
الرسالة التي يبعث بها المقال واضحة، وهي أن الأدوات اللازمة لإنشاء مختبرات ذكية ذاتية القيادة متوافرة اليوم. وما نحتاج إليه الآن هو تنسيق عالمي ومعايير موحّدة والتزام بأن تخدم الأتمتة العلم والعلماء الذين يقودونه.
المصدر: الشرق الاوسط