اخبار كل الصحف

‏رحلة حلمي بين الماضي والحاضر

بقلم / عادل بن عفي

‏منذ أن كنت طفلًا صغيرًا، كان للتاريخ مكانة خاصة في قلبي. أتذكر جيّدًا أول كتاب حصلت عليه في الصف الرابع الابتدائي: “قصص الأنبياء” بجزئيه. كان ذلك الكتاب نافذتي الأولى لعالم الحكايات والأحداث التي صنعت مسيرة البشرية. ومع مرور السنوات، كبرت مكتبة غرفتي في المرحلة المتوسطة، لكنها لم تكن تحتوي إلا على كتب التاريخ؛ فقد كنت أعيش بين سطورها ساعات طويلة، أسافر عبرها إلى عصور لم أعشها وأتأمل حكايات أبطالها.

‏كنت أؤمن أن مستقبلي مرسوم بوضوح ، عالِم تاريخ وبروفيسور يدرّس الأجيال القادمة هذا العالم الساحر. وفي الصف الأول الثانوي، أستعيد بذاكرتي ذلك اليوم جيدًا… استلمت كتاب التاريخ في أول يوم دراسي، جلست في غرفتي وقرأته كاملًا من الغلاف إلى الغلاف في ليلة واحدة، ثم وضعته على الرف ولم أفتحه مرة أخرى. ورغم ذلك، كنت أحقق دائمًا العلامة الكاملة للفصل الدراسي دون أن أراجع أي درس طوال الفصل. كانت نظرات الدهشة من زملائي، وحتى شكواهم للمدرس، جزءًا من تلك الحكاية التي تذكرني بمدى ارتباطي العميق بذلك الشغف.

‏لكن الحياة لا تبقى على وتيرة واحدة… مع نهاية المرحلة الثانوية، بدأت اهتماماتي تتغير بصمت. وجدت نفسي أنجذب إلى الحاضر والمستقبل أكثر من الماضي. بدأت أؤمن أن التاريخ، رغم روعته، لا يجب أن يسرقنا من عيش يومنا وصناعة غدنا. شيئًا فشيئًا، أصبحت كتب التاريخ على رفوفي مجرد ذكرى جميلة، تحمل رائحة حلم قديم كنت أعيشه بكل تفاصيله.

‏اليوم، حين أسترجع تلك المرحلة، أبتسم بامتنان. ليس لأنني تخليت عن حلمي، بل لأنني أدركت أن الأحلام تتطور مثلنا تمامًا. ذلك الشغف القديم علّمني حب المعرفة والانضباط والبحث، لكنه أيضًا منحني درسًا مهمًا ، أن التغيير ليس خيانة لأحلامنا الأولى، بل خطوة نحو اكتشاف مسارات جديدة تلائم من أصبحنا اليوم

راشد عثمان

*خريج جامعة القاهرة. *صحفي في جريدة الرياض منذ أكثر من 22 عاما. *عمل مستشارا إعلاميا في العديد من القطاعات. أشرف على إدارة وسائل التواصل الاجتماعي في القطاع الحكومي والخاص. * مفوض تنمية قدرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى