توأمة البتراء والعلا .. بين مملكتين



* العلا والبتراء.. توأمة بين كنزين حضاريين في قلب الصحراء
صحيفة كل الصحف – فريق التحرير
في قلب الصحراء العربية، تتجلى معالم حضارة الأنباط العريقة التي امتدت جذورها بين شمال الجزيرة العربية وجنوب بلاد الشام، لتكتب قصة استثنائية من الإبداع الإنساني في فن العمارة، وإتقان نحت الصخور، وإدارة التجارة.
اليوم، وبينما تتألق العلا في المملكة العربية السعودية كجوهرة ثقافية وسياحية، وتواصل البتراء في الأردن أسرارها التي تخطف أنفاس الزوار، تبرز فكرة التوأمة بين الموقعين كخطوة استراتيجية تعيد رسم خريطة السياحة الإقليمية وتفتح آفاقًا اقتصادية وثقافية واعدة.
قبل أكثر من ألفي عام، ازدهرت دولة الأنباط في منطقة تمتد من شمال الجزيرة إلى جنوب بلاد الشام، لتصبح واحدة من أبرز الممالك التجارية في العصور القديمة. تميز الأنباط بقدرتهم على التكيف مع الطبيعة القاسية، فأبدعوا في هندسة القنوات المائية، وأقاموا مدنًا محفورة في الصخر، أبرزها العلا (مدائن صالح) في السعودية، والبتراء في الأردن، والتي تُعد من عجائب الدنيا السبع الحديثة.
البتراء، أو “المدينة الوردية”، التي نُحتت في جبال الشراه، لم تكن مجرد مدينة؛ بل كانت مركزًا تجاريًا عالميًا يربط بين طرق البخور القادمة من اليمن والخليج، وصولًا إلى الشام وروما. أما العلا، فهي مرآة أخرى لحضارة الأنباط، تحتضن النقوش والواجهات الصخرية الفريدة، وتعيد للذاكرة تلك الأيام التي كانت فيها القوافل التجارية تعبر رمالها حاملةً البضائع والثقافات.
التوأمة: جسر حضاري وسياحي
توأمة العلا والبتراء ليست فكرة عابرة، بل مشروع حضاري يستند إلى وحدة الجذور التاريخية، وتشابه القيم الجمالية والمعمارية. هذه التوأمة يمكن أن تتحول إلى علامة سياحية عالمية تحت مظلة التراث الإنساني، لتقديم تجربة متكاملة للزائرين، حيث يمكن للسائح أن يعيش رحلة تبدأ من العلا، وتمر عبر خطوط الثقافة النبطية، وصولًا إلى البتراء.
لتكتمل هذه الرؤية، يمكن أن تتجسد فكرة إنشاء خط قطار سياحي حديث يربط بين المواقع السياحية في السعودية والأردن، بدءًا من العلا، مرورًا بمدائن صالح، وصولًا إلى البتراء، هذا المشروع سيحوّل السفر بين الموقعين إلى رحلة ممتعة تختصر المسافات وتزيد من تدفق السياح بين البلدين، مما ينعكس على اقتصاد المنطقة بشكل مباشر.
التوأمة بين العلا والبتراء تفتح أبوابًا واسعة أمام رؤية السعودية 2030 ورؤية التحديث الاقتصادي الأردنية، من خلال:
زيادة عدد السياح الدوليين عبر برامج سياحة مشتركة.
تحفيز الاستثمار في البنية التحتية من فنادق، طرق، ومرافق خدمية.
تنمية المجتمعات المحلية عبر توفير فرص عمل جديدة في قطاع السياحة والخدمات.
تسويق متكامل للمنطقة كوجهة سياحية واحدة تحت شعار “رحلة في قلب حضارة الأنباط”.
لا يقتصر الأمر على السياحة فقط؛ بل يمكن أن يمتد التعاون إلى تنظيم معارض مشتركة، برامج تبادل ثقافي، وأبحاث أثرية تعيد اكتشاف أسرار حضارة الأنباط وتوثيقها رقمياً. كما يمكن إطلاق منصات سياحية رقمية موحدة تتيح للزوار التخطيط لرحلاتهم بسهولة، بما يواكب الثورة الرقمية ويحقق أهداف التحول الذكي.
العلا والبتراء ليستا مجرد مدينتين أثريتين؛ إنهما عنوان لتاريخ واحد، وحكاية حضارة عابرة للحدود. التوأمة بينهما ليست مشروعًا ثقافيًا وحسب، بل استثمار في المستقبل، ورسالة بأن التاريخ يمكن أن يكون رافعة للتنمية، وجسرًا يربط الحاضر بالماضي، والطموح بالواقع. إن نجاح هذا المشروع يعني أن الأنباط سيعودون من جديد، ولكن هذه المرة عبر قطار يسير على سكك الحداثة، ليحمل معه أحلام شعوب تتطلع إلى غدٍ مزدهر.
