شارع الأعشى

د.سعود بن صالح المصيبيح
مرت عشر حلقات على مسلسل شارع الأعشى الذي قدم عن فترة زمنية موغلة في التحولات الإنسانية والاجتماعية ونقلات التطور التي عاشتها الرياض والمملكة في تلك الفترة .
وكاتبة الرواية “غراميات شارع الأعشى “هي الدكتورة بدرية البشر التي عايشت متغيرات الزمن حيث البيوت الطينية والبيوت المسلح وشارع الأعشى موجود في حي منفوحه حيث كان شارعا من ابرز شوارع الرياض سمي على أسم صناجة العرب شاعر منفوحة أعشى قيس التي عاش بها في العصر الجاهلي وسمي بالأعشى لضعف بصره ومثل تلك الاحياء والاسواق والمسميات سوق السدرة والثميري وسويقة وشارع الوزير ومحلات الملوحي وباصات بنات المدارس التي كتبت فيها أبيات الغزل وقصص الحب وتبادل الرسائل وعلاقات الجيران الجميلة ودخول الهاتف الأرضي والتلفزيون الأسود والأبيض ثم الملون وقبلها المذياع ثم المكيف والانتقال من النوم في السطح بعد صلاة العشاء إلى النوم في المكيف الصحراوي ثم المكيف الفريون .
ومع النوم في السطح كان ذلك قبل التلفزيون ويتزامن حينها مع الجح البارد “البطيخ ” والجراوة “الشمام” ورش المراقد “فرش النوم”بالماء لتبرد قليلا قبل النوم ثم أسرار البنات وحكاياتهن وتقليد المسلسلات وبرنامج ما يطلبه المستمعون ومسرحيات فيروز وما يبثه التلفزيون آنذاك وسينما أفلام حي المربع وغير ذلك .
ثم لماذا عاد شارع الأعشى بعد ستين سنه لينبض بالحركة والدموع والذكريات ومعه حي سكيرينه وتجمعات المساجد في الخلوات من قبل عصابات التشدد والتطرف استعدادا لاقتحام الحرم وحي دخنه “حي الكتاتيب “ومجالس العلماء وحي البرقية ومسجد الأمير منصور ومسجد السعدون ومسجد بن سنبل ومسجد بن قباع وحي جبرة ومصلى العيد ومطبخ البوري ومطبخ العجراء ومطبخ حميد ودويرة أم سليم وحي الشميسي وحي الوشام ومسجد الاخوان عند بن سنان والحبونية وحلة بن بكر والطويلعه ومنفوحة والوسيطا والعود وشارع طريق الحجاز وعمارة النمر ومحلات آل طالب والنداف والخطاط الشويعر والخطاط الصميت ووقت الأمطار حيث نزول المطر الشديد في طرق السد الصغيرة واقفال المدارس وتحويل الدراسة إلى مسائية في مدرسة أخرى ووضع قطعة حديد صغيرة في باب المدرسة حتى لا يفتح وقصة الكلب “لعبان ” مع طلبة المدرسة .
وبيوت آل الشيخ وال سالم وال داود وآل دوس وال كليبي والسكيني وآل هديان وآل سليمان وآل شلهوب وآل عشيوي وآل العبيد والنفيسة والحوطي والكنعان وآل ريس والعساكر وال نوح والعكيل وآل غيث وآل غانم وآل عثمان والخميس والمفيريج وآل رشود والعنقري وآل أبوحيمد والحسين والنصار والمديميغ والتخيفي والحكير و الباز والعتيق والعامري وال ابوعبيد والمرشد والمروان والنصبان والعقيل والماجد والونيس والمضحي والشريهي وال بن سعيد والشهوين وال سبعان والرويتع والمطيويع والجريد والصرامي والغنام والمزروع والعشيوان والشرهان وال فارس وال كريديس وال يوسف وال محيا والبريكان والباعود وغيرهم كثير والأسماء للمثال وليس الحصر .
ثم المدارس وأشهرها مدرسة جبرة “سعيد بن جبير ” والأحنف بن قيس وعلي بن أبي طالب والمحمدية ومدرسة الجزائر ومتوسطة بن خلدون ومعهد إمام الدعوة العلمي وشارع آل فريان ودويرة سلام ومعكال وشارع الغنم “شارع الحب أو شارع بورسعيد أو شارع عثمان بن عفان “…
كل هذه الأسماء والمواقع عايشناها في تلك الحقبة التاريخية وقد نجح المسلسل في تجسيدها وهي عودة للتراث والتاريخ وتأكيد الأصول ويوم بدينا وهي ما نشاهده من أهتمام بالتراث وأن يكون مصدر دخل للترفيه والسياحة ويحدث ذلك في أنشطة ومباني حي الطريف والبجيري والدحو وسوق الزل وجدة التاريخية ومدينة الدرعية ومشاريعها الضخمة .والاهتمام بالأحياء القديمة في مختلف مدن المملكة .
إن مسلسل الأعشى كتب من باحثة في علم الاجتماع ساعدها علمها في استرجاع الذكريات ووصف تلك الفترة وهي ليست سرد ترفيهي للتسلية ولكن رصد للتاريخ لنتعلم منه تحولات المجتمع ومعالجة الاخطاء والإعداد للمستقبل وكم قصة حب دفنت كم دفنت قصة سعد وعواطف وتزوج راشد بواحدة لا ترغبه وكذلك حدث ذلك للجازي لتغيير مصير الحياة وتحمل الالم والظلم لاعتبارات معينة منعت اختيار الحب البريء وحكم على هذه الأطراف بالحسرة والعذاب والعيش كيفما اتفق حسب ما تفرضه العائلة والمجتمع وليس ما يختاره القلب المرهف الصادق الطيب التلقائي الحنون .
وفي بعض الأحيان تكون اختيارات الاهل هي عين العقل والأصلح للبنت أو الابن بعيدا عن تسرع العاطفة واندفاعها .وهو مافعله أبو إبراهيم المثقف نسبيا حينما رفض زواج سعد بإبنته لعدم إكماله التعليم وعدم وجود وظيفه لديه رغم قصة الحب الملتهبة في السطح ومواعيد السجادة على سطح الجدار الفاصل بين المنزلين . وانتهى به الحال الى الانضمام إلى المتشددين والارهابيين .
