د. الرومي: نظام الفصلين الأفضل والثلاثة مرهقة
صحيفة كل الصحف – فريق التحرير
في مقارنة غير مسبوقة حول المفاضلة بين نظام الفصلين والثلاثة فصول التعليمية، أكد الدكتور نايف الرومي – محافظ هيئة تقويم التعليم سابقاً، أن نظام الفصلين الدراسيين يظلّ هو الأفضل لنظامنا التعليمي، راصدًا، على سبيل المثال لا الحصر، ستَّ فوائد ومزايا لتطبيق نظام الفصلين الدراسيين وهيكلته التعليمية، خاصة فيما يتعلق بفعاليته المؤكدة في تعزيز التعلم ورفع جودته وكفاءته الإدارية، ومزاياه الاقتصادية، والمواءمة مع معايير ونظام التعليم العالي الدراسي، وفي المقابل يطرح بعض مشكلات نظام الفصول الثلاثة مطالبًا بمراجعته وإعادة دراسته.
الفروق بين نظام الفصلين والفصول الثلاثة
وفي مقاله “الفصول الدراسية: فصلان أم ثلاثة.. أيهما الأفضل؟” بصحيفة “عكاظ”؛ يقول “الرومي”: “كثر الحديث منذ صدور قرار تغيير نظام الفصول الدراسية إلى ثلاثة فصول عام 2022 بدلًا من النظام القائم والثابت الذي يتمثل في فصلين دراسيين متواليين وإجازة صيفية طويلة نسبيًّا. وموضوع الفصول الدراسية طولًا وعددًا وتموضعًا في السنة والعام الدراسي، أحد أخطر عناصر العملية التعليمية وأكثرها تأثيرًا، ليس على فعالية التعليم ونجاحه والمدرسة والمعلم والتلميذ والوالدين والمنظومة التعليمية المعنوية والمادية، ولكن على المجتمع واقتصاد الدولة ونغمة حركة البلاد وأهلها. لا شك أن قرارًا حول اختيار وتطبيق نظام الفصول أمر مهم جدًّا واضح التأثير والأهمية؛ ولذلك فإنني وبشكل مختصر سأقوم بذكر أمثلة في هذا المقال تبرز بعض الفروق الأساسية بين نظام الفصلين والفصول الثلاثة، ليس على سبيل الحصر وإنما على سبيل المثال. وهدفي من ذكر أمثلة عن الفروق بين النظامين إنما هو للفت النظر لأهمية الرؤية المتكاملة للوصول لتصور صحيح عن مقاربة النموذج الأمثل للتعليم العام في مجتمعنا. ولوضع الأمثلة القليلة التالية في السياق المناسب سوف ننطلق من تساؤل بسيط حول أي النظامين أفضل سواء للطالب الذي هو محور العملية التعليمية، أو للمعلمين أو للأسرة أو للدولة على جميع الأصعدة التي ليس أولها الهوية والانتماء والاقتصاد، وليس آخرها كفاءة التشغيل وكلفته؟”.
على سبيل المثال.. 6 فوائد وميزات لنظام الفصلين
ويرصد “الرومي” ست فوائد وميزات لنظام الفصلين، على سبيل المثال لا الحصر، حسب الكاتب الذي يقول: “لا شك أن لكل نظام تعليمي ولكل هيكلة دراسية ميزات وإيجابيات، وفي نفس الوقت له سلبيات ويواجه تحديات.
ونظام الفصول الدراسية عنصر مهم في تلك الهيكلة؛ فمثلًا وبالاطلاع على الكثير من الأدبيات تبيّن أن لنظام الفصلين الدراسيين ميزات وإيجابيات عديدة ومهمة أثبتَتْها الخبرة والتجارب العملية؛ فهو مثلًا يوفر استقرارًا وأسلوبًا مألوفًا وهيكلًا دراسيًّا معتمدًا ومشتركًا على نطاق واسع في العديد من البلدان حول العالم، وخصوصًا دول ذات تقاليد راسخة في التعليم العام من حيث التاريخ والتطوير “مثل أمريكا، كندا، ألمانيا، فنلندا، النرويج”، وفي دول ناشئة ذات حيوية تنموية سباقة “المكسيك، سنغافورة، كوريا الجنوبية، ماليزيا، تايوان”.
وثبات هذا النظام “الفصلين الدراسيين” في تلك الدول، بل في التقاليد التعليمية الدولية، لم يكن من فراغ؛ فقد انتهت الدراسات المتخصصة والأدبيات ذات العلاقة، مثل دراسة جامعة هارفرد بعنوان “The Impact of Semester vs. Quarter Systems on Student Learning”، وغيرها من الدراسات لبعض الأسباب، وأورد بعض الأمثلة على سبيل المثال وليس الحصر:
1- التجذر الثقافي والتقاليدي:
لا مناص من الأخذ في الاعتبار أن نظام الفصلين الدراسيين له تاريخ متجذر بعمق في الثقافة التعليمية والتقاليد الاجتماعية، وبالتالي يعتبر خيارًا مألوفًا ومستقرًّا للطلاب وأولياء الأمور والمعلمين، بل ونبض المجتمع وعاداته، وحوله قامت الكثير من العادات والتقاليد، بل والأنظمة.
2. الفعالية التعليمية:
تقليل عدد الفصول وطولها يؤثر بشكل واضح على التعلم المعمق: تسمح الفصول الدراسية الأطول بتغطية شاملة وأكثر تماسكًا للمناهج الدراسية وترسيخ المهارات والقدرات. الوقت والتمهل يعين على التعمق في الموضوعات وترسيخ المعلومات، كما أنه يتيح الفرصة لتطبيق استراتيجيات تدريس حديثة. التقييم المتّسق: يوفر نظام الفصلين الدراسيين إطارًا مستقرًّا أقرب للواقعية لجدولة التقييمات وواقعية الامتحانات، ومن ثم فترات كافية للتغذية الراجعة والتحليل واستخلاص النتائج. العلاقات بين المعلم والطلاب والمنزل: يتيح الوقت الممتدّ في كل فصل دراسي للمعلمين بناء علاقات أقوى مع طلابهم، وفهم احتياجاتهم الفردية، وتوفير تدريس ودعم أكثر تخصيصًا، وإمكانية أفضل في توظيف الوالدين والمنزل في العملية التعليمية.
3. الكفاءة الإدارية:
الجدول الدراسي: يوفر نظام الفصلين الدراسيين إمكانية تبسيط التقويم “الروزنامة” التعليمي؛ مما يؤهّل لتخطيط المنهج وتوزيع مهام المعلمين وتنظيم المناسبات والأنشطة المدرسية بشكل متمهّل نسبيًّا يقلّل من عامل ضغط الوقت والاضطراب والتوتر.
إدارة الموارد: يُمكّن نظام الفصلين المؤسسات التعليمية من إدارة أفضل وأكثر كفاءة للموارد؛ مثال تلك الموارد الكتب المدرسية، كما يساعد على جدولة أعمال الصيانة والتجديد للمرافق المدرسية خلال العطلة الصيفية الطويلة دون الإخلال بالتقويم الدراسي.
4. الاعتبارات الاقتصادية وتوفير التكاليف:
تساهم العطلة الصيفية الطويلة في تقليل تكاليف التشغيل للمرافق والصيانة على كاهل الخزينة العامة، كما تمكّن المدارس من استثمار المرافق مثل الصالات الرياضية، كما أنه يقلّل من الرسوم الدراسية في المدارس الخاصة والعالمية على أولياء الأمور. الكتب والاحتياجات المدرسية وحلقات التوريد: على سبيل المثال أشير هنا لاستخدام الموارد، وخاصةً الكتب الدراسية على فصلين دراسيين لا شك أنه يقلل الهدر في المال وفي الورق، وهذا بلا شك يوفّر في التكاليف، وهذا المبدأ ينطبق على جميع الاحتياجات المادية الملموسة للعملية التعليمية.
5. الفرص اللامنهجية والإثراء: البرامج الصيفية: تطبيق الفصلين الدراسيين يوفر عطلة صيفية طويلة تسمح للطلاب بالمشاركة في الأنشطة الصيفية والتدريب الداخلي من خلال برنامج الشراكة مع القطاع الخاص والعمل التطوعي، وغيرها من الأنشطة الإثرائية التي تعزّز نموهم الشخصي والتعليمي والنضج النفسي.
التعليم العلاجي: يمكن للمدارس تقديم برامج مدرسية صيفية للطلاب الذين يحتاجون إلى مساعدة إضافية؛ مما يسمح لهم بالتعويض والاستعداد للعام الدراسي المقبل.
6. الانسجام مع التعليم العالي:
تعمل نسبة كبيرة من الكليات والجامعات الوطنية، وفي كثير من أنحاء العالم أيضًا، بنظام الفصلين الدراسيين.
إن مواءمة التعليم مع تقاويم التعليم العالي تساعد على سهولة الانتقال للطلاب، كما تساعد الطلاب الذين ينتقلون دوليًّا على الاندماج في الأنظمة التعليمية الجديدة دون انقطاع كبير.
أما ما يتعلق بتطبيق نظام الفصول الثلاثة، فتشير الدراسات إلى أن هناك عددًا محدودًا من الدول تطبق نظام الفصول الثلاثة، ولكل منها ظروف اقتصادية وبيئية تبرر ذلك “مثل البرتغال، أسكتلندا، إيرلندا، كينيا”.
ومن أبرز ما ذكر من مميزات هذا النظام: 1. محدودية طول الفصل الدراسي: يكون توزيع الأسابيع الدراسية على ثلاثة فصول مما يساعد الطلاب على عدم الشعور بالملل وطول الوقت.
2. إمكانيات الدعم للتلميذ: يمكّن نظام الفصول الدراسية الثلاثة المعلمين من تقديم الدعم والمساندة للطلاب، وخاصةً في الفصل الدراسي الثالث؛ حيث تكون المناهج الدراسية على وشك الانتهاء.
3. تقليل الفاقد التعليمي: تحدّثت عدد من الأدبيات عن أن تطبيق الفصول الثلاثة يساعد على تقليل الفاقد التعليمي؛ حيث تكون إجازة نهاية العام الدراسي قليلة مما يساعد على عدم فقدان المعلومة والمهارة، كما أنه يسمح للمعلمين بالمراجعة مع الطلاب وتقديم الدعم، وخاصةً في الفصل الدراسي الثالث.
مشكلات نظام الفصول الثلاثة
وفي المقابل يرصد “الرومي” بعض مشكلات نظام الفصول الثلاثة، ويقول: “بناء على ما سبق يتبيّن أن هناك تحديات قد لا يمكن علاجها في نظام الفصول الثلاثة؛ فعلى سبيل المثال فإن تطبيق نظام الفصول الدراسية الثلاثة له تأثير كبير على تركيز الطلاب وشعورهم بالإرهاق؛ نظرًا لطول العام الدراسي وتقطع الكتل التعليمية والمنهجية وتواليها، كما أنه يعتبر نظامًا مكلفًا من الناحية التشغيلية وسببًا لاحتمالية زيادة الهدر المالي؛ نظرًا لاستخدام الموارد على طول العام ويتطلب صيانة على مدار العام، كما أنه لا يساعد على تقديم الأنشطة الإثرائية للطلاب، ولا يساعدهم على تنفيذ التدريب الصيفي، وهيكلة الفصول الدراسية الثلاثة تفرض تعدد الإجازات؛ مما قد يساهم باسترخاء سلبي للطلاب، كما أنه نظام لا يتواءم مع أنظمة الكثير من الجامعات المحلية والعالمية، والأهم من ذلك أنه لا يساعد المعلمين على تحقيق تطويرهم المهني بفعالية.
وأما ما يتعلّق بالفاقد التعليمي، فهو مرتبط وبشكل كبير بجودة ما يقدم للطلاب خلال العام من تعليم وبرامج وبثقافة ووعي الطلاب وأسرهم، وكذلك ارتباطه ببقية العوامل التي تؤثر على مستوى تحصيل الطلاب مثل طول العام الدراسي والإحساس بالإرهاق وكثرة الإجازات”.
نظام الفصلين هو الأفضل
وينهي “الرومي” قائلًا: “يتضح لنا أن تطبيق نظام الفصلين الدراسيين وهيكلته التعليمية له فوائد ومزايا عديدة تستحق الاهتمام والمراجعة والتفكير؛ حيث يظهر وبشكل واضح أن نظام الفصلين الدراسيين هو النظام الدارج ويستخدم على نطاق واسع على مستوى العالم؛ لعدة أسباب مهمة تتعلق بشكل خاص بفعاليته المؤكدة في تعزيز التعلم ورفع جودته وكفاءته الإدارية ومزاياه الاقتصادية، والمواءمة مع معايير ونظام التعليم العالي الدراسي، فضلًا عن أنه يوفر إطار عمل مستقرًّا، ويمكن التنبؤ به، وفعال من حيث التكلفة لتعليم الطلاب. وفي ظنّي أن نظام الفصلين الدراسيين يظلّ هو الأفضل لنظامنا التعليمي”.
المصدر:سبق وعكاظ