اخبار كل الصحف

ظفار… أيقونة الجنوب الساحرة

صحيفة كل الصحف – راشدالصانع
تاريخ راسخ يجمع بين عبق الماضي وأصالة الحاضر، وتنوع فريد يمزج بين شموخ الجبال وسحر الصحراء وجمال الساحل، وأجواء رائعة لا مثيل لها في منطقة الخليج العربي… هذا ما يميّز ظفار؛ كبرى محافظات سلطنة عُمان، وبوابتها على المحيط الهندي.
تقع ظفار في جنوب السلطنة وتشغل مساحة تقدّر بثلث المساحة الإجمالية للبلاد، وتتصل من الشرق بمحافظة الوسطى، ومن الجنوب الغربي بحدود عُمان مع الجمهورية اليمنية، ومن الجنوب ببحر العرب، ومن الشمال والشمال الغربي بصحراء الربع الخالي. تضم المحافظة عشر ولايات هي: صلالة، ورخيوت، وثمريت، وضلكوت، وطاقة، ومقشن، ومرباط، وشليم جزر الحلانيات، وسدح، والمزيونة. يتحدث معظم السكان باللغة العربية، إلا أن ثمة لغات أخرى قديمة ما تزال محكية إلى يومنا الحالي، مثل اللغة الشِّحريّة والمهريّة إلى جانب البطحرية والحرسوسية، اللتين تعدّان فروعًا من هاتين اللغتين.
جذور متأصّلة في عمق التاريخ
يرجع تاريخ ظفار إلى قديم الزمان، حيث يُقال إن منطقة الأحقاف وبقايا قوم عاد الذين ذكرهم الله في القرآن، وقبور الأنبياء هود، وأيوب، وصالح عليهم السلام موجودة فيها. وجاء ذكر ظفار في النقوش الفرعونية في معبد أبو صير البحري، ورسم لوحة جدارية لرحلة أسطول الملكة حتشبسوت الفرعونية إلى المدينة.
ومن أبرز المواقع التاريخية في المحافظة مدينة سمهرم التي تضم ميناءً يحمل الاسم نفسه، وكان له دور حيوي في التجارة قبل أكثر من 2000 عام، إلى جانب منتزه البليد الأثري الذي يعدّ من أقدم المدن وأهم الموانئ التجارية في القرن الثامن حتى القرن السادس عشر، وهما جزء من موقع أرض اللبان المسجّل في قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
أما أوبار، المدينة الأسطورية المفقودة التي تقع في عمق صحراء الربع الخالي بالقرب من واحة شصر كما يُقال، فقد كان لها دور مهم في تجارة اللبان، وورد ذكرها في روايات “ألف ليلة وليلة”. وإلى جانب ذلك، تضم ظفار وادي سنيق ودحنت الذي يحتوي على آثار حجرية قديمة.
مهّدت التجارة باللبان، الذي تتميّز به أرض ظفار، ترسيخ علاقة المنطقة بحضارات العالم القديم قبل حوالي ثماني آلاف سنة؛ إذ تم تصديره إلى بلاد ما بين النهرين والهند ومصر واليونان وفارس وروما القديمة من ميناء سمهرم عبر طرق القوافل البرية. ويقال إن بلقيس- ملكة سبأ- قدّمت اللبان هدية إلى نبي الله سليمان عليه السلام.
وكما كان لظفار أهمية كبيرة منذ القدم، فلها مكانة خاصة في التاريخ العماني الحديث كذلك. فمن مدينة صلالة، بزغ فجر النهضة العمانية بقيادة المغفور له، بإذن الله تعالى، السلطان قابوس بن سعيد، طيّب الله ثراه؛ إذ كانت شاهدة على انطلاقة السلطنة نحو التقدم والتطور والازدهار.
طبيعة خلّابة ومواقع سياحية استثنائية
تجذب محافظة ظفار الزوّار والسيّاح من داخل السلطنة وخارجها، خاصة في فصل الخريف، الذي يمتد من أواخر شهر يونيو حتى بداية سبتمبر، وهي الفترة التي تشهد صيفًا لاهبًا في منطقة الخليج العربي، في حين يسود المحافظة وقتها جو ممطر منخفض الحرارة مشبع بالضباب، نتيجة تأثره بالرياح الموسمية الغربية القادمة من المحيط الهندي.
ومن أبرز هذه المعالم التي تشكّل عاملًا سياحيًا جاذبًا في ظفار؛ خور “المغسيل” الذي يشكّل مأوىً للطيور المستوطنة والمهاجرة، ومحمية “خور البليد” التي تجمع بين الآثار والتاريخ والطبيعة، وكهف “المرنيف” الذي يعدّ ظاهرة طبيعية تنتج عن قوة اندفاع الماء إلى داخل تجويف صخري يقع معظمه تحت الماء. وإلى جانب ذلك، يوجد في المحافظة خورا القرم الصغير والقرم الكبير اللذان أخذا تسميتهما من أشجار القرم الكثيفة التي تغطيهما وتحجب رؤية مياههما من الطريق العام، مما يدفع بالطيور إلى بناء أعشاشها فيهما.
وبإمكان زوّار ظفار أيضًا الاستمتاع بجمال الطبيعة وسحر التراث في محمية “خور روري” المتصلة بوادي “دربات” الذي يمتاز بطبيعته الغنّاء، وغطائه النباتي الكثيف، وعدة كهوف أبرزها كهف “طيق” المملوء بمياه الوادي، والمطلّ على حفرة “طوي أعتير” المعروفة باسم “بئر الطيور”، وهي واحدة من أكبر حفر الإذابة في العالم. وفي المحافظة عدّة مجارٍ لعيون الماء التي تسحر الألباب بجمالها الخلّاب مثل، “جرزير”، و”أرزات”، و”صحلنوت”، وغيرها الكثير. ويعدّ الغطس والغوص إلى أعماق البحر في ساحل جزر الحلانيات من أهم المغامرات التي يمكن ممارستها في ظفار.
ومن شموخ الماضي، تطلّ على ظفار مجموعة من الحصون التي تحرسها؛ مثل حصن “طاقة” الذي يتميز بألوانه الساحرة. أما مدينة مرباط، ميناء البخور القديم، فتحتضن حصن “مرباط” الشهير، ويمثل حصن “سدح” النهاية الشرقية القصوى لسلسلة من التحصينات التي تحمي ساحل ظفار.
ولا تكتمل متعة زيارة ظفار إلا بالتجوّل في أسواقها العريقة، وأهمها سوق “الحافة”، الذي يبعد عن مدينة صلالة ثلاثة كيلومترات، وهو المكان الأمثل لشراء أجود أنواع اللبان والبخور، ليس في ظفار فحسب، بل في السلطنة كلها. ويزخر السوق كذلك بمنتجات متنوعة؛ مثل المنسوجات والملابس التقليدية، والمصوغات الذهبية والفضية، وغيرها الكثير من المصنوعات التراثية.
ظفار هي واحدة من أبرز الوجهات الرائعة في سلطنة عُمان لكل من يبحث عن طبيعة خلّابة متنوعة، ومعالم دينية وتاريخية وسياحية مميزة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى