التعليم من السرير الأبيض
كتبه: فواز بن محمد آل داوود
في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد -19، هذه الأزمة التي لم يشهد لها العالم مثيلاً على الأقل في آثارها التي نتجت عنها والإجراءات التي سارت عليها الدول والمجتمعات في التعامل معها والتحديات التي ظهرت ولا زالت تظهر في كافة المجالات، يبرز التعليم في الصف الأول في مواجهة آثارها وتحدياتها، والتعليم يقوم أساساً على الموارد البشرية التي تنتج وتطور كافة الموارد الأخرى لتحقيق المستهدفات الوطنية.
فخلال الأيام الماضية شاهدنا نماذج أبهرتنا في قطاع التعليم، لفتت الأنظار وصارت مضرب أمثالٍ ومثار أحاديثٍ، حتى وقف الناس مترددين في التعبير عن مشاعرهم نحوها بين الاعجاب والشكر والمكافأة..
من هذه النماذج المذهلة الأستاذ محمد الفيفي معلم اللغة العربية في مدرسة أبي عمرو الداني الابتدائية، الذي شارك زملاءه وطلابه التعلم والتعليم في هذه الأزمة العالمية، وهو يواجه وأسرته أزمة صحية مزمنة وخطيرة، ألزمته السرير الأبيض في إحدى المستشفيات المتخصصة.. فقبل كل شيء ليعرف الجميع أن له الحق النظامي والأدبي ألّا يعمل وأن يلزم الراحة مدة ستة أشهر براتب كامل.. ثم تختلف المعاملة الإدارية والمالية حسب وضعه الصحي.. أقول ذلك ليعلم القارئ الكريم جزءاً من تضحية هذا المعلم النبيل.. ثم وهو تحت العناية الطبية التي ألزمته المستشفى وعبر الوسائل التقنية المتوفرة وأظنه هو الذي وفرها مجتهداً متبرعاً مستمتعاً، يستمر في أداء عمله وتعليمه لطلابه وتواصله معهم في مشهد لا يعرفه إلا من كابده وعايشه..
هذا النموذج من المعلمين والمعلمات ليس فريداً في المملكة العربية السعودية ولله الحمد ..
فقد وقفت على حالات عديدة منها حالة المعلمة منيرة الشيباني في مدرسة هجرة بوضة الابتدائية التي تدرس طالباتها وهي تنتظر العناية الطبية في المستشفى، وغيرهم كثير ممن تحاملوا على معاناتهم الصحية فقطعوا إجازاتهم المرضية وأقبلوا يُعلّمون طلابهم وطالباتهم، تضحية منهم حتى لا يتوقفوا عن التعلم، وهي تضحية كبيرة ولها معانٍ جليلة، يقدمها المعلمون والمعلمات بصدقٍ، بعيدين عن الأضواء إلا حينما يتحدث عنهم الزملاء والآباء والطلاب وينشرون صورهم بتقدير وإعجاب..
إن تضحيات المعلمين والمعلمات كثيرة، ستجدها في كل مدينة وقرية وفي كل مدرسة، ولكنها في أغلبها خاصة بهم وبطلابهم وطالباتهم، في مواقف تعليمية وتربوية لا تتاح للنشر والحديث على الملأ، يعرفها الطلاب والطالبات ويتذكرونها بامتنان، حيث ترسخت دروساً تلهمهم طيلة حياتهم.
ومما يمكن أن يشار إليه في هذه المناسبة، أن الكثير منهم في هذه الأزمة يقدمون التعليم من أجهزتهم الخاصة ومن منازلهم وعبر خدمات الاتصالات الخاصة بهم وبخبراتهم التي اكتسبوها سريعاً، يحدوهم الضمير الحيّ، والواجب الإنساني، والدور الوطني، حيث يبنون الأنفس والعقول، فشكراً لهم..