2019: عام المنظومات الرقمية القائمة على البيانات
مقالة بقلم محمد أمين، النائب الأول للرئيس لمنطقة الشرق الأوسط وتركيا وإفريقيا لدى “دل إي إم سي”
إنه ذلك الوقت الذي تكمل فيه الأرض دورة كاملة حول الشمس من كل عام، ومع دخولنا في العام 2019 فإننا نتطلع إلى الأمام ونفكر في الإمكانيات التي ينطوي عليها هذا العام الذي سوف نقترب في ختامه من نهاية العقد الأول من القرن الأول من الألفية الثالثة، منطلقين نحو عقد جديد من الابتكار يأخذنا إلى العام 2030، الذي نتوقع فيه، نحن المسؤولين في شركة “دل تكنولوجيز”، أن نحقق الحقبة المقبلة من الشراكات بين الإنسان والآلة، حيث تغمرنا جوانب المعيشة الذكية والعمل الذكي واقتصاد تتمّ فيه العمليات والإجراءات بلا تلامس.
وبينما وُضعت ورُسمت توقعات جريئة في مجالات التقنية العام الماضي، يُنتظر من بعضها أن يؤتي أُكُله قبل البعض الآخر، فلا يزال ثمّة الكثير مما ينبغي عمله في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلات، على سبيل المثال، ولا تزال الأنظمة ذاتية القيادة والتشغيل مستمرة في التبلور، في حين تواصل الشركات العمل على بناء العمود الفقري الرقمي اللازم لدعمها.
فما الذي يُنتظر أن يحمله لنا العام 2019 في جُعبته؟ إليكم تالياً أبرز توقعاتنا للعام 2019 عند دخولنا المنظومات الرقمية القائمة على البيانات.
غمر تقني أعمق من ذي قبل في المعيشة والعمل
يواصل المساعدون الافتراضيون تفوقهم في التقنيات الاستهلاكية، فالتقنيات المنزلية الذكية “الأشياء” والسيارات المتصلة، ستواصل تعلّم ما نفضله وتستبقنا في تقديم المحتوى والمعلومات بناءً على تفاعلاتنا السابقة معها. وسنرى ذكاء الأجهزة هذا يندمج مع تقنيات الواقعَين المعزّز والافتراضي في المنزل لخلق تجارب غامرة بالفعل، مثل طاهٍ افتراضي مساعد يمكنه المساعدة في إعداد وجبة سهلة لأفراد الأسرة. وسيكون الأفراد أكثر ارتباطاً بصحتهم الشخصية من خلال أجهزة أكثر ذكاء لتتبع مستويات العافية، يمكنها التقاط المزيد من المعلومات حول الجسم، مثل التقلّب في معدل ضربات القلب، وأنماط النوم، وغيرها من المعلومات التي يمكن إطلاع مقدمي خدمات الرعاية الصحية عليها من أجل الارتقاء بمستويات الرعاية والعلاج.
كذلك سوف يتبعنا “الذكاء الغامر” إلى أماكن العمل؛ إذ ستستمر أجهزة الحاسوب والأجهزة التي نستخدمها في العمل يومياً، في التعلّم من عاداتنا، لتبادر بتشغيل ما نحتاج إليه من التطبيقات والخدمات في الوقت المناسب. إن التقدّم في تقنيات المعالجة اللغوية الطبيعية والتقنيات الصوتية سيخلق حواراً أكثر إنتاجية مع الآلات، في حين أن الأتمتة والروبوتات ستخلق تعاوناً أسرع وأكثر سلاسة مع التقنية لتحقيق المزيد من الإنتاجية في العمل. ومع تطبيقات الواقعين المعزز والافتراضي، التي تخلق تجارب غامرة في مواقع العمل وخارجها، سيحظى الموظفون بالقدرة على الوصول إلى البيانات التي يحتاجونها للقيام بالعمل في أي وقت ومن أي مكان.
“منجم ذهب” البيانات سوف يؤجّج “حمّى الذهب” المقبلة في الاستثمارات التقنية
لسنوات طويلة، واصلت الشركات تخزين مقادير ضخمة من البيانات. وفي الواقع، ينتظر أن يصل حجم البيانات بحلول العام 2020 إلى 44 تريليون غيغابايت أو 44 زيتابايت، وهذا قدر هائل من البيانات. وسرعان ما ستبدأ الشركات في استغلال ما لديها من بيانات ضخمة مع زيادة اتضاح ملامح التحوّل الرقمي وتبلورها.
ومع استمداد الشركات قيمة كبيرة من تلك البيانات، وما تحريك الأفكار والرؤى المتعمقة التي تنطوي عليها لعجلات الابتكارات ودفعها العمليات التشغيلية والتجارية بطريقة أكثر كفاءة، يُنتظر أن يتم توليد المزيد من الاستثمارات من قطاع التقنية. وسيظهر مزيد من الشركات الناشئة لمواجهة التحدّيات الكبرى التي تجعل الذكاء الاصطناعي حقيقة واقعة ملموسة: إدارة البيانات والتحليلات المشتركة، حيث يمكن أن نستمدّ الأفكار من أي مكان تقريباً، لابتكار حلول تمتثل مع التشريعات التنظيمية للبيانات بطريقة أكثر أماناً وذكاءً لتحقيق نتائج مذهلة.
اتصالات “الجيل الخامس” ستجعلنا متأهبين
من المتوقع أن تُطرح أجهزة الجيل الخامس 5G الأولى في الأسواق في وقت ما من هذا العام، في ضوء توقعات بأن تغيّر شبكات الجيل الخامس أصول لعبة البيانات تغييراً كاملاً من نواحي السرعة والقدرة على الوصول. إن الشبكات ذات الكمون المنخفض والنطاق الترددي العريض تعني وقوع المزيد من الأشياء المتصلة كالسيارات والأنظمة، وحدوث كثير من العمليات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلات والحوسبة، عند أطراف النظم، حيث يتم في الأساس توليد جميع البيانات.
لن يمر وقت طويل قبل أن نبدأ في رؤية مراكز بيانات متناهية في الصغر مصطفة في شوارعنا، وسيؤدي ذلك أيضاً إلى إتاحة فرص “ذكية” جديدة لأفكار فورية تتولّد عند ناصية الشارع الذي نعيش أو نعمل فيه. وسوف تصبح المدن والبلدات أكثر ارتباطاً من أي وقت مضى، ما يمهد الطريق للمدن الذكية والبنية التحتية الرقمية التي نتنبأ بأنها ستشهد ازدهاراً واسعاً في العام 2030. وستكون مراكز البيانات المصغرة هذه أداة تغيّر قواعد اللعبة في قطاعات مثل الرعاية الصحية والتصنيع، حيث يمكن معالجة البيانات والمعلومات المتولّدة في الميدان وتحليلها لحظة بلحظة ومشاركة الآخرين بها ممن يحتاجون إليها فوراً وبسهولة، بدل الاضطرار إلى الانتقال جيئة وذهاباً إلى السحابة.
توقعات البيانات سوف تستدعي المزيد من النظم السحابية
في العام الماضي، توقعنا وصول “السحابة الضخمة” Mega Cloud، التي تتألف من مجموعة متنوعة من النظم السحابية التي تشكل نموذجاً تشغيلياً قوياً قائم على متطلبات استراتيجيات تقنية المعلومات المتمثلة بالنظم السحابية العامة والخاصة. وحتى الآن، يظلّ هذا الأمر صحيحاً مع استمرار تراجع النقاش الدائرة حول الأنظمة السحابية في ظلّ تفضيل البعض للعامة مقابل تفضيل آخرين للنظم الخاصة، بعد أن بدأت الشركات تدرك حاجتها إلى الإدارة الفعالة لمختلف أنواع البيانات التي تعالجها. وكان استطلاع حديث للرأي أجرته مؤسسة “آي دي سي” قد أشار إلى أن أكثر من 80 بالمئة من المشاركين فيه يعيدون البيانات إلى نظم سحابية خاصة داخل مقارّ عملهم، وهو توجّه يمكننا أن نتوقع استمراره حتى مع التوقعات باستمرار النمو في النظم السحابية العامة.
إن من شأن البيئات متعددة السحابة أن تدفع الأتمتة والذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلات في مجال معالجة البيانات إلى معدات أرقى مستوى، نظراً لأنها تمنح الشركات القدرة على إدارة البيانات ونقلها ومعالجتها أينما ووقتما احتاجت إلى ذلك. وفي واقع الأمر، سوف نرى انبثاق المزيد من النظم السحابية مع تزايد توزيع البيانات، سواء على أطراف النظم في بيئات السيارات ذاتية القيادة أو في المصانع الذكية، أو في التطبيقات السحابية أو في مراكز البيانات المحمية في مقار العمل لتلبية متطلبات الامتثال والخصوصية الجديدة، أو بالطبع، السحابة العامة لمجموعة متنوعة من التطبيقات والخدمات التي نستخدمها يومياً.
الجيل “زد” يبدأ في تجاوز جيل الألفية بالوصول إلى أماكن العمل
سوف يُضطر أبناء جيل الألفية إلى إفساح المجال أمام أبناء الجيل القادم “زد” (من مواليد ما بعد العام 1995) في أماكن العمل خلال العام القادم، ما يخلق قوى عمل متزايدة التنوع تمتد لتشمل معاً خمسة أجيال متعاقبة! ومن شأن هذا أن يخلق مجموعة غنية بالخبرات في الحياة والتقنية. سيكون 98 بالمئة من أبناء الجيل “زد” قد استخدموا التقنية كجزء من تعليمهم الرسمي، في حين أن كثيراً منهم ملمون بأساسيات البرمجة ويتوقعون أن تكون أفضل التقنيات وحدها جزءاً من عملهم الذي يتطلعون إلى ممارسته.
كذلك فمن المتوقع أن يُحدث أبناء الجيل “زد” خطوات تقدمية في الابتكار التقني في أماكن العمل متيحين المزيد من الفرص للتعلّم التقني في العمل واكتساب مهارات جديدة لا سيما بين الموظفين من أبناء الأجيال الأكبر سناً. وكذا سيصبح الواقعان الافتراضي والمعزز أكثر شيوعاً ويساهمان في غلق فجوة المهارات لدى قوى العمل المتقادمة، مع إعطاء أبناء الجيل “زد” السرعة والإنتاجية التي يطلبونها.
سلاسل توريد أقوى وأكثر ذكاء وأكثر رفقاً بالبيئة تضع حداً للهدر
إيماناً من الشركات بانتفاعها من العديد من المزايا المرتبطة بالتشغيل المستدام لأعمالها، سوف تتبع الريادة في هذا المجال وتبدأ في تسريع الطرق التي تصمّم بها نماذج أعمال تخلو من الهدر عبر الابتكار في مجال التدوير والممارسات التجارية والتشغيلية الحلَقية المغلقة. ويسعنا في “دل” مساعدة الشركات عبر مشاركتها مخططاتنا الرامية إلى تحويل المواد البلاستيكية التي تتهدّد البحار إلى عبوات تغليف وتحويل السخام الناتج من أدخنة عوادم ديزل المولدات إلى حبر للطباعة على الصناديق.
سوف نرى تقدّماً يحصل في قدرات تتبع سلاسل التوريد، من خلال التدقيق وتسخير التقنيات الناشئة لتحديد الفرص الدقيقة الهادفة إلى إحداث التصحيحات المنشودة في سلاسل التوريد. ومن المرجح أن تلعب تقنية البلوك تشين دوراً حيوياً لضمان الثقة والسلامة في تحديد مصادر الشراء، مع ضمان استمرار الحصول على المعلومات والبيانات بشأن السلع والخدمات طوال حركتها على امتداد سلسلة التوريد.
إن التقنية اليوم تمرّ في أبهى أوقاتها، مع استمرار الابتكارات الحاصلة في اتصالات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي وتعلم الآلات والحوسبة السحابية والبلوك تشين، في تمهيد الطريق وتسريعها نحو المستقبل. وأنا اليوم على استعداد للمراهنة على أننا سنحقق منافع جمّة من تلك البيانات البالغ حجمها 44 زيتابايت في العام 2020، فيما سنعمل، مع دخولنا السريع إلى حقبة جديدة من البيانات في العام 2019، على إطلاق العنان لقوة البيانات بطرق لم نكن نتخيلها من قبل، ما من شأنه أن يُحدث تحوّلات كبيرة في أعمالنا وفي معيشتنا اليومية.