#صحافة_زمان_أخبار_بايتة_وإمكانيات_متواضعة!
* الكتابة بخط اليد والأخبار العاجلة بالفاكس.. والصحفي ينتظر تحميض الصور
* أخبار الرياضة والسياسة والفن تجذب اهتمام القراء زمان
إعداد: حمود الضويحي
عندما تتصفح جريدة ما فإنك تجد كماً كبيراً من الأخبار سواء السياسية أو الثقافية أو المحلية بالإضافة إلى أخبار المجتمع وتحقيقات صحفية شيقة ومقالات للعديد من الكتاب مما يجعلك تقبل بنهم إذا كنت من عشاق القراءة أو المرور السريع
إن كنت ممن يحب التصفح والوقوف عند خبر صحفي يجذبك.. ولكن هل تساءلت يوماً ما عما يحدث خلف الكواليس في مبنى الجريدة أو المجلة منذ ولادة الخبر الصحفي وما يتبعه من انتقاء الأخبار وتلقيها من الصحفيين وصفها وترتيبها وطباعتها حتى خروجها إلى حيز الوجود مكتملة التفاصيل لترضي ذوق كل قارئ، ولعل ثمة سؤال آخر يتلوه وهو عن بداية العمل الصحفي في العالم وفي وطننا العربي الكبير وبلادنا على وجه الخصوص، وما صاحبه من بساطة البدايات والتضحيات من أجل إبراز العمل الصحفي ونجاحاته، فقد مرت الصحافة في بلادنا بالعديد من المراحل والمحطات فصدرت صحفاً ومجلات استمر بعضها فيما استبدل مسمى البعض الآخر واستمر باسمه الجديد حتى اليوم، بينما البعض الآخر من الصحف والمجلات قد توقف عن الصدور لأسباب عديدة، ونعيش اليوم بفضل التقنية الحديثة العصر الذهبي للصحافة وإن كان النشر الإلكتروني للصحف الجديدة بات أسرع انتشاراً ومنافسة للصحف الورقية التي قامت هي الأخرى بقبول التحدي للاستمرار في مضمار السباق المحموم للاحتفاظ بقرائها وذلك بالتجديد في مواضيعها واستفادتها من النشر الإلكتروني لتواكب الحدث وتكون مع القارئ على مدار الساعة.
البدايات
الصحافة مهنة تقوم على جمع وتحليل الأخبار والتحقق من مصداقيتها وتقديمها للجمهور، وغالباً ما تكون هذه الأخبار متعلقة بمستجدات الأحداث على الساحة السياسية أو المحلية أو الثقافية أو الرياضية أو الاجتماعية وغيرها، وقد يظن الكثيرون أن الصحافة قد عرفت قبل قرن أو قرنين من الزمان ولكن الحقيقة بأن الصحافة قد عرفت قبل ذلك بكثير، فمع بداية عصر النهضة في أوروبا، وضع ( جوتنبرغ )، أسس الطباعة في ستراسبورغ، عام 1438م، وانتشرت بسرعة ملحوظة، فظهرت الخدمات البريدية في فرنسا عام 1464م، وفي إنجلترا عام1478من، وفي ألمانيا عام 1502م، وأصبحت الأخبار جزءاً من هذه الخدمات بين البلدين، ثم ظهرت أوراق المناسبات المطبوعة على هيئة دفاتر صغيرة من ثماني صفحات، تزداد مع زيادة المناسبات مثل الوفيات والحفلات والتعيينات والترقيات الحكومية، والعلاقات بين الحكومات في الحرب والسلم، وكانت تباع في المكتبات، أو بواسطة الباعة الجوالين، إلى أن ظهرت صحف الرأي، مع تزايد الجدل ما بين السياسة والدين، وظهرت معها الرقابة على المطبوعات، خاصة من جهة الكنيسة التي كانت لا تزال لها اليد الطولى في تسيير أمور الحكم داخل أوروبا في القرن السادس عشر، مابين أعوام (1524 – 1586)، وبدأت معالم الصحيفة الدورية مع ظهور التقويمات السنوية، والمنشورات التنجيمية، والإعلانات التجارية، والأشعار الغنائية، ونشأت شبكات صحفية لتبادل الأخبار، حتى ظهرت أول مجلة شهرية منتظمة في ألمانيا عام 1597م، وفي عام 1605، ظهرت أول صحيفة نصف شهرية، تبعها في العام 1609م ظهور أول صحيفة أسبوعية في (ستراسبورغ) التي شهدت اكتشاف الطباعة في ألمانيا، ومن بعدها انتشرت الصحف الأسبوعية في سويسرا ، والنمسا، وتشيكوسلوفاكيا، وهولندا، حتى العام 1620م، أما بالنسبة لفرنسا فقد كانت أول صحيفة أسبوعية تصدر فيها عام 1631م، على يد الطبيب (لويس فندوم) وكان صاحب مكتبة وتعلم الصحافة في هولندا، وأدار خدمة الإعلانات المبوبة، والأبواب الطبية وتطورت من بعده الصحافة الفرنسية بدعم من الوزير (ريشيليو)، وفي إنجلترا تعتبر (لندن غازيت) التي بدأت الصدور عام 1665م أول جريدة رسمية إنجليزية كما تعتبر (الديلي كورانت) هي أولى الصحف اليومية التي ظهرت في إنجلترا عام 1702، أما (الديلي ادفرتيزر) التي صدرت أعوام (1730-1760) فتعتبر أقوى جريدة إعلانات، لكن أشهرها هي الصحف التي تخصصت في الكتابات الأدبية والفنية والفكرية البحتة مثل (تتلر) و(ذاسبكتيتر) عام 1712م ثم (نورث بزيتون) عام 1762م، وكانت تنشر الروايات المسلسلة، وفي ألمانيا عرفت الدوريات ذات الطابع الوطني، والتي عانت من الرقابة وتسلطها كما انتشرت فيها صحافة الإعلانات، ولذا تخلفت الصحافة الألمانية حتى منح لها الملك (جوزيف الثاني) الحرية عام 1781م فازدهرت ثم عادت للتراجع مع عودة الرقابة وزيادة الضرائب، أما أميركا فقد أنشئت أول صحيفة عام 1703م وهي صحيفة (بوسطن نيوزليتر).
الصحافة العربية
بدأت الصحافة العربية منذ العقد الثاني من القرن التاسع عشر، حينما أصدر الوالي داوود باشا أول جريدة عربية في بغداد اسمها جورنال عراق، باللغتين العربية والتركية وذلك عام 1816م بعدها ومع حملة نابليون بونابرت على مصر عام 1798م حيث أصدرت في القاهرة صحيفتين باللغة الفرنسية عام 1828م، كما أصدر محمد علي باشا صحيفة رسمية باسم جريدة الوقائع المصرية، وفي عام1867 صدرت في دمشق جريدة سورية، وفي عام 1865 صدرت في حلب بسورية جريدة فرات وبعدها صدرت في حلب كذلك الشهباء، وجريدة ألفي عام 1885م، وأصدر رزق الله حسون في إسطنبول جريدة عربية أهلية باسم مرآة الأحوال العربية، وفي بداية القرن العشرين كثر عدد الصحف العربية وخصوصاً في سورية ومصر، فصدرت المؤيد واللواء والسياسة والبلاغ والجهاد والمقتبس وغيرها، ومن الصحف القديمة والتي لا زالت تصدر في مصر جريدة الأهرام والتي صدرت لأول مرة في عام 1875م.
الصحافة السعودية
عرفت بلادنا الصحافة في وقت مبكر حتى قبل توحيد هذا الكيان العظيم على يد المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- حيث كانت جريدة البلاد هي أول صحيفة سعودية سياسية يومية وكانت تسمى سابقاً بـ(صحيفة صوت الحجاز) صدر العدد الأول منها عام 1350هـ الموافق 4 أبريل عام 1932م، ويعتبر صدورها امتداداً لجريدة بريد الحجاز التي أصدرها الشيخ محمد صالح نصيف عام 1343هـ خلال العهد الهاشمي، وصدرت الصحيفة في ثماني صفحات كانت توفر لقارئها الأخبار والتعليقات ومقتطفات رياض الشعر، وتطبع بالمطبعة السلفية بمكة المكرمة يوم الاثنين من كل أسبوع ثم أصبحت تطبع بالمطبعة العربية بمكة المكرمة، ثم صارت تطبع مرتين بالأسبوع منذ الخامس من ذي القعدة عام 1357هـ الموافق 25 يناير عام 1939م واستمرت هكذا حتى شهر رجب 1360، الموافق أغسطس 1941م، وباتت تصدر بشكل يومي، وتطورت الصحافة بتطور التعليم وانتشاره، ونما الوعي الصحفي والأدبي بين أفراد الشعب بنمو الثقافة وانتشار التعليم، وتأسست المطابع في المدن الكبرى، وتبارى أفراد الشعب في إصدار الصحف والمجلات، كما مرت الصحافة السعودية بثلاث مراحل لكل مرحلة منها شأن في تقدم الصحافة وتطورها وازدهارها وهي: صحافة الأفراد، وإدماج الصحف، والمؤسسات الصحفية، وبرز العديد من الصحفيين من أبناء البلد الذين خلدوا أسماءهم على الصعيد المحلي والخليجي والعربي الذين أفنوا أعمارهم في خدمة الصحافة، كما أن الاهتمام من قبل القيادة بالصحافة والصحفيين وجهود تطوير الصحافة بارزة منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- حيث كان يسافر معه العديد من الصحفيين والكتاب الذين ينشرون كل ما يهم المواطن من أخبار وأوامر، وخصوصاً في الجريدة الرسمية للدولة والتي يتم فيها نشر كل بيان حكومي أو إصدار أوامر ملكية.
مع بداية ظهور أي شيء فإنه لابد أن يمر بمراحل عدة وتكون بداياته بسيطة وصعبة في أكثر الأحيان ومن ذلك الصحف التي مرت بالعديد من المراحل التطويرية فمن الكتابة بخط اليد وبلون واحد أصبحت الجرائد تكتب بطباعة الكمبيوتر وبأحسن الألوان، إلا أن صياغة الأخبار من الصحفيين كانت تكتب بخط اليد الذي كان يقتضي الوضوح كما أن طريقة إرسال الأخبار باتت أسرع وأبسط فلم يعد إرسال الخبر إلى الجريدة يتطلب سفر من يجمع الأخبار لتسليمها يداً بيد فظهرت أجهزة (الفاكس) التي سهلت وصول الخبر إلى الجريدة في الحال، بينما بقيت معاناة ومتاعب التصوير قائمة زمناً طويلاً بدءاً من التصوير بكاميرا احترافية في أغلب الأحوال تضمن صفاء ونقاء الصورة ودقة تصويرها وانتهاءً بالتحميض ومن ثم انتقاء الصور الملائمة، ليأتي بعد ذلك إرسال الخبر مع الصور إما عن طريق البريد الذي كان تطول مدته حسب بعد المنطقة التي يرسل منها أو عن طريق تسليم الخبر مباشرة من قبل الصحفي الذي يتجشم عناء السفر لتسليم مادته الصحفية إذا كانت تتطلب السرعة وتحمل السبق الصحفي أو عن طريق إرسالها مع أحد المعارف أو الأصدقاء ممن اعتادوا السفر إلى المدينة التي بها مقر الجريدة لارتباطهم بدراسة أو عمل، أما في الجريدة فإن العمل كان بدائياً ويدوياً حيث كانت طريقة صف المواد تتم باليد وكذلك ترتيب الصفحات ومن ثم رصّ الحروف والمراجعة النهائية قبل الطباعة، وكان الموظفون من المحررين المتفرغين قلة وليس هناك مكاتب متعددة بل كانت الغرفة الواحدة تضم العدد الكبير من المحررين وعلى طاولة واحدة مستطيلة وغرف الجريدة محدودة نظراً لصغر مقر الجريدة، أما صياغة الأخبار فقد كانت تتم بطريقة عفوية وبلغة قريبة من فهم القراء وتوجهاتهم فأخبار المجتمع كانت تعكس واقع البساطة مثل شراء سيارة أو رحلة في ربوع الوطن ووعد صاحب الشأن بإقامة وليمة دسمة للزملاء والأصدقاء، كما كانت الصحف تتسابق في نشر أخبار فيها إثارة وسبق صحفي من أجل جذب أكبر شريحة متابعين من المجتمع مما يعني كثرة التوزيع والاستفادة من أرباح البيع ومن ثم إقبال المعلنين لنشر إعلاناتهم في الجريدة، فالصحف كانت ولازالت تسعى لإشباع رغبات جميع المتابعين فتفرد صفحات خاصة بالسياسة وأخرى بالثقافة أو الفن والتحقيقات الصحفية بالإضافة إلى أخبار المجتمع، وقد صاحب تلك الفترة تكرر وقوع الأخطاء المطبعية التي تغير المعنى دون قصد، إضافة إلى سقوط اسم في الخبر أو صورة مما جعل كلمة (سقط سهواً) تتكرر في كثير من الأحيان، وكانت عناوين الصفحات الأولى رنانة ومصدر جذب للقارئ حيث كانت تكتب بالخط العريض وبألوان جذابة كاللون الأحمر حيث تعتمد معظم الصحف والمجلات على هذه الطريقة في سباق محموم لاستقطاب أكبر قدر من المتابعين.
في ظل الدعم الذي تلقاه المؤسسات الصحفية من قبل الدولة -رعاها الله- فقد أنشئت مقرات حديثة لكل مؤسسة صحفية وباتت صروحاً في كل مدينة أقيمت فيها، الأمر الذي ساهم في دفع الصحافة وتقدمها، كما أن التقدم التقني قد سهل من العمل الصحفي حيث حلت التقنية الحديثة في كل الأعمال الصحفية حيث وفرت أجهزة الحاسب الآلي الوقت والجهد فبعد الكتابة باليد صارت الكتابة عن طريق الحاسوب وتم الاستغناء عن تقنية الإرسال عن طريق (الفاكس) إلى الإرسال بالبريد الإلكتروني بالصور التي باتت تلتقط بالكاميرات الرقمية التي يتم توصيلها بالحاسوب وانتقاء الصور فوراً دون الحاجة إلى التحميض والانتظار وإرسالها مع الخبر بشروحاتها عن طريق البريد الإلكتروني، وكذلك العمل بالنسبة إلى الطباعة التي تحولت إلى طباعة رقمية سريعة مما وفر الكثير من الجهد والوقت والمصروفات الكبيرة التي كانت مرهقة، كما أتاحت التقنية للقارئ عملية التصفح السريع لمنشورات الجريدة قبل بزوغ الفجر عن طريق مواقع الجرائد والمجلات وقضت على عملية انتظار وصول الجريدة والذي قد يتطلب بلوغ نصف النهار قبل وصول المطبوعة مع الموزع المعتمد من قبل شركات التوزيع.
المصدر : جريدة الرياض – بتصرف